دور الشاب في استقرار اسرته وسعادتهم


Total Views: 14184

يجب من مشاركة الأبناء في بناء الأسرة المتكاملة السعيدة:
 
بعضُ الآباء يشتَكِي من سلبيَّة أولادِه، ويَرَى عدَم اهتِمامهم بغيرهم، وأنهم لا يُشاطِرُونه همومَه ممَّا يتعلَّق بأهلهم أو ببعضِ حوائِجِه الخاصَّة، فالحملُ كلُّه علَيْه؛ فهو يقومُ بكلِّ شيءٍ مع أنَّه يُوجَد في البيت أكثرُ من ابنٍ بلَغُوا الحلم أو كادوا، ولو استَطلَعت الأمرَ من جِهَة الأبناء لوجدتهم يُحمِّلون آباءَهم تقصيرَهم، وأنهم هم السبب في ذلك.
ولو تأمَّلنا من حولنا لَوَجَدنا أنَّ بعضَ الأبناء لهم دورٌ بارِزٌ في تَصرِيف شؤون البيت والأسرة، ويتحمَّلون جزءًا مِن مسؤوليَّات أبيهم، فيتحمَّلون جلَّ الأعمال التي للأبِ أو بعضها؛ إذًا ليس كلُّ العيب في أولادِنا، بل ربما يأتي العيبُ منَّا مَعاشِر الآباء، فنُقصِّر في تَحمِيلهم المسْؤوليَّات منذ الصِّغَر، فإذا كبروا شقَّ عليهم ذلك.
بعضُ الآباء يشتَكِي من عُزُوف أولادِه عن حُضُور المناسَبات الاجتماعيَّة، بل إذا حضَر ضُيوفٌ للبيت لم يحضروا، وأصبح الأبُ هو المسؤول عن استِقبال الضُّيوف وتَودِيعهم وإكرامهم، مع أنَّ أولادَه ليس لديهم شغلٌ يَشغَلهم عن الحضور، بل ربما كانوا داخِل البيت، وهنا على الأب أنْ يقف مع نفسه ويَنظُر هل له دورٌ في ذلك؟ فالأبناء في حالِ الصِّغَر لديهم رغبةٌ شديدة في حضور المُناسَبات الاجتماعيَّة، ومُشارَكة الناس الأقارب والأباعد مُناسَباتهم، ويُلحُّون على أبائهم لحضور هذه المناسبات والجلوس مع الضُّيوف إذا حضروا للبيت، فإذا كان الأب يمنَعُهم من ذلك فمِن الطَّبَعِيِّ إذا شبوا ولم يألَفُوا حُضورَ هذه المناسبات أنْ يَزهَدُوا فيها كِبارًا، ولا يَرتاحوا إذا حضروها.
وقد كان سلَفُ هذه الأمَّة يُحضِرون أولادَهم الصِّغار مَجالِسَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ليَستَفِيدوا وليتربَّوا على إلفِها؛ يقول عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - كُنَّا عندَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أخبِرُوني بشجرةٍ تُشبِه - أو: كالرجل - المسلم، لا يَتَحاتُّ ورقُها))، قال ابن عمر: فوَقَع في نفسي أنها النَّخلة، ورأيتُ أبا بكرٍ وعمرَ لا يتكلَّمان فكرهت أنْ أتكلَّم، فلمَّا لم يقولوا شيئًا قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هي النخلة))، فلمَّا قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقَع في نفسي أنها النَّخلة، فقال: ما منَعَك أنْ تكلَّم؟! قال: لم أرَكُم تكلَّمون فكَرِهتُ أنْ أتكلَّم أو أقول شيئًا، قال عمر: لأنْ تكون قلتَها أحبُّ إلَيَّ من كذا وكذا؛ رواه البخاري (4698) ومسلم (2811).
وابن عمر - رضي الله عنهما - كان من صِغار الصَّحابة، فحين قَدِم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ كان عمره إحدى عشرة سنة تقريبًا، وكان يحضر مجالس الكِبار ويحضر مُناسَبات المسلمين في المدينة، فلمَّا كبر أصبَح علَمًا من أعلام المسلمين.
 
على الأب أنْ يُربِّي أولاده على حُسن تَصرِيف شُؤونهم الخاصَّة منذ الصغر، يُدرِّبهم على حُسن التصرُّف في المال فيما يخصُّهم مِنْ مَصروف؛ فمثلاً يُعطِي الأبُ ابنَه مصروفَه الشهري، ويُخبِره أنَّ هذا المصروف للفترة من كذا إلى كذا، قد لا يُحسِن الابنُ التصرُّف أوَّل الأمر، فينفد المصروف قبلَ انتِهاء المدَّة أو يضيع منه، لكنْ من خِلال التجرِبَة سنجد بعد فترةٍ أنَّ هذا المصروف سيَكفِيه، بل ربما وفّر منه لشِراء حَوائِج أخرى له.
وإذا كان كبيرًا يجعَل له حسابًا في البنك، ويُعطِيه بطاقة صرَّاف ليأخذ مصروفه شيئًا فشيئًا، وهذا له أثرٌ كبيرٌ في شُعورِ الابن بأنَّه أصبَح رجلاً معتمدًا على نفسه، وأنَّه محلُّ ثقة أبيه، وكذلك شِراء حَوائِجه الخاصَّة؛ كالملابس يُدرَّب على شرائها ثم يتولَّى هو الشِّراء.
 
وعلى الأب أنْ يُشعِرَ ابنَه بنُبوغِه وحُسنِ تصرُّفه، فيُعامِله مُعامَلةَ الكِبار، فيشركه في المسائل الكِبار التي تتعلَّق بالبيت من زَواج أختٍ، أو شراءِ بيتٍ، أو بَيْعٍ أو عِلاجٍ، خطأِ أحدِ أفراد الأسرة، أو نحو ذلك من الشُّؤون الكِبار للأسرة أو للأب؛ تقديرًا لحسن تصرُّفه وتحمُّله للمسؤوليَّة؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان عمرُ يُدخِلني مع أشياخ بدرٍ، فكأنَّ بعضهم وجَد في نفسِه فقال: لِمَ تُدخِل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟! فقال عمر: إنَّه مَن قد علِمتُم، فدَعاه ذاتَ يوم فأدْخَلَه معهم، فما رُئِيتُ أنَّه دَعاني يَومئذٍ إلاَّ ليُرِيهم، قال: ما تقولون في قول الله - تعالى -: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)[النصر: 1]؟ فقال بعضهم: أُمِرنا أنْ نحمد الله ونستَغفِره إذا نصَرَنا وفتَح علينا، وسكَت بعضهم فلم يَقُل شيئًا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلَمَه له، قال: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)[النصر: 1] وذلك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[النصر: 3]، فقال عمر: ما أعلَمُ منها إلاَّ ما تقول؛ رواه البخاري (4970).
 
وعلى ذلك يُتوقع من الأبناء حتى يكونوا أبناء وأعضاء فاعلين في الأسرة والحياة الأسرية , القيام بالأدوار التالية :
 
1-  أن يبتعدوا عن أقران السوء والانزلاق في انحرافات شللهم وعصاباتهم.. وأن يختاروا بالمقابل ما حَسُن خلقه وسلوكه وشخصيته من الأقران للصحبة والصداقة والدراسة والتفاعل معهم .
 
2-  أن يحافظوا على صحتهم الجسمية والنفسية بتبني عادات سليمة في الغذاء والعناية بالجسم والترفيه وأعباء الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية مع الآخرين , والابتعاد عن التدخين وتناول الكحول والمخدرات وغيرها من مغيّبات العقل الأخرى .
 
3-    أن يكونوا مطيعين رحيمين بآبائهم وأمهاتهم وإخوانهم / أخواتهم وأقربائهم..
 
4-  أن يكونوا ملتزمين بعادات وتقاليد الأسرة وبأهدافها وآمالها في الحاضر والمستقبل.. أي أن يتبنوا نظام الأسرة وأساليب تعاملها وحياتها دون اعتراض أو تناقض، خاصة عند صغر سنهم. أما عند الرشد , فيمكن للأبناء تعديل ما يريدون بالتفاهم والتفهم والحوار وتبادل الرأي المنطقي مع الأسرة .
 
5-  أن يكونوا أوفياء ملتزمين عاطفياً واقتصادياً نحو أسرهم: أباً وأماً وأخوة،، وأقارب كلما دعت الحاجة لذلك . فكما أخذوا وهم ناشئين صغاراً , يجب أن يعطوا الوالدين كباراً وهم شباباً يافعين وراشدين بعدئذ .
 
6-    أن يثابروا في العمل والتحصيل وتحقيق طموحات مفيدة للمستقبل, حفاظاً على:
 
·         عُلّو مكانتهم الأسرية والاجتماعية كأفراد في المستقبل الاجتماعي أو العملي أو المهني الوظيفي، أو مزيجاً منها كلما أمكن.
 
·         إستمرار مكانة أُسرهم في المجتمع:  الإجتماعية أو العلمية أو العملية الوظيفية أو غيرها مما يمكن.
 
·         ضمان تحسين الوضع الأسري للأفضل اقتصادياً أو ثقافياً اجتماعياً ( طبقياً ) أو عملياً في مجال محددّ مطلوب 

 


More EPortfolios By لمى عبدالله أحمد ال معدي الاسمري


1Comments

Users must be logged in to comment.