البحث العربي
الطالبات
رغد سعد
غدي عبدالله
اثيرفهم
الفهرس
المقدمه |
الفهرس |
اهميه الغه |
العربيه في ظل القران |
نبذهعن اللغه |
الغه في القران |
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تسليماً كثيرا .
( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) , ( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) , ( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما )
أما بعد :
فهذه كلمات يقال إنها محاضرة ثانية لهذه الدورة , وموضوع الحديث في أهمية اللغة العربية للمسلم , فنتكلم أولاً على وضع اللغة في هذه العصور المتأخرة , وتصوير بعض اللغويين من أهل العلم قبل مائة سنة لهذا الوضع , يقول ذلك العالم :
( غير خاتن أن روض اللغة قد مشَّـت لهذا العهد أنهاره , وذوت بعد النضارة أزهاره , وما ذلك إلا للإعراض عن إقراء متونها , وعيش الدرب في سهولها و حزونها , وهجرها كما تهجر اللئام , مع أنها كريمة الكرام , وكساء خواطر الأنام ) .
هذا وضع اللغة من قبل أزمان , فما بالك بعصرنا وزماننا هذا !! إلا أن اللغة ذات أهمية للمسلم , اللغة سواء كانت عربية أو غيرها , وكلامنا على العربية لما لها من ميزة فهي لا تقارن بغيرها ؛ لأنها أشرف اللغات وأسماها وأوسعها , فاللغة أوضح أداة إلى التعبير عن المقاصد , وقد قدر الله - جل جلاله - أن يكون كلامه الذي هو القرآن : عربيا , وبعث إلينا رسولاً عربيا , وهذه اللغة العربية لها سنن وطرائق أصيلة بمعرفتها وتطبيقها في النطق بهذه اللغة تكون لغة حقيقة لإفضائها إلى مراد المتكلم ؛ فيحصل التفاهم على الوجه الصحيح كما هو الشأن في كل لغة , والمسلم عربياً كان أو أعجميا بحاجة ماسة إلى فهم مراد الله تعالى , ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب والسنة اللذين هما بلسان عربي مبين , فبقدر ما يفقه المسلم العربية ؛ بقدر ما يصل إلى فهم مراد الله , وليس كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم – [هو بأبي وأمي] كغيرهما من الكلام العربي ؛ فإنهما يشتملان على أحوال خصوصية تستفاد منها معان زائدة على أصل المعنى الذي يمكن أن يؤدى بغيرهما , فهذا الاشتمال على الأحوال الخصوصية ؛ هي بلاغة القرآن وبلاغة السنة النبوية , ومن هذا يدرك المتأمل أهمية معرفة اللغة العربية , لغة القرآن والسنة للمسلم ؛ ذلك لأن المسلم يهتدي بها - أي بهذه المعرفة للغة العربية - إلى الصواب في فهم المراد من الشارع , فيعبد الله على بصيرة وبينة , فيكون السعي والتعلم للعربية عبادة ؛ لأنها وسيلة إلى غاية عظيمة هي علة الحياة وسر الوجود .
ــ تاريخ هذه اللغة :
هذه اللغة ممتدة الجذور إلى جاهلية العرب العرباء قبل الإسلام , وشاء الله - سبحانه وتعالى - أن تكون هي لغة الإسلام الذي بعث به نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - .
وقد مرت هذه اللغة بأطوار:
طور الجاهلية الجهلاء , وكانت اللغة في هذا الطور على الأصالة القوية , لم تشبها شائبة من غيرها , فكان الجاهليون العرب لا يعرفون إلا اللغة الفصحى في جميع أحوالهم , وتقلباتهم , ومناسباتهم , وخطابهم , في الجد والهزل , والسلم والحرب , والمداعبة , و المناصحة , والمحاورة , وفي الترفيه عن النفس وما إلى ذلك , فكانوا ينطقون بها فتجدهم على أصل هذه العربية مع ما كانوا عليه من الكفر؛ لأن اللغة قد خلقت هكذا , فهي فيهم جبلية طبعية لا أمت فيها ولا شغى .
حتى جاء الإسلام وهي على وضعها الطبعي القوي القويم , وكان القرآن عربياً , والنبي عربياً , بعث إلى العرب وغير العرب لحكم من الله عظيمة والله يفعل ما يشاء , فارتفعت اللغة العربية بسبب الإسلام في قرءانه وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى آفاق من علياء البلاغة العربية لا عهد للعربية بها قبل الإسلام , فأضفى القرآن وكذلك السنة إلى اللغة ميزة لم تكن لها في الجاهلية , والقرآن والسنة محفوظان بتلك الميزات العربية العالية الغالية .
إلا أن الضعف بدأ يسري إلى هذه اللغة الشريفة بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عهد الخلافة للصحابي الجليل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - , وهكذا تضاعف الضعف شيئاً فشيئاً لأسباب عدة , حتى بُدل الثوب الأصيل لنطق العربية الفصحى بالثوب الدخيل له العامية أو الدارجية , التي قال عنها بعض العلماء المحققين ممن تقدموا إنها [ أي العامية ] ليست من لغة العرب ؛ لأن العرب الأقحاح في عصر السليقة لم يكونوا ينطقون بها , ولذلك من كان لا يعرف إلا العامية فقط فإنه يكون في عُجمة من أساليب الكتاب والسنة , لا يدرك حقائقها , و تكون غريبة عليه .
ــ وجوه من أهمية اللغة العربية الفصحى للمسلم المتعبد :
قال الشافعي - رحمه الله - في الرسالة :[ فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده , حتى يشهد به أن لا إله إلا الله , وأن محمداً عبده ورسوله , ويتلوَ به كتاب الله , وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير, وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك .
وما ازداد من العلم باللسان , الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته , وأنزل به آخر كتبه : كان خيراً له . كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها , ويأتي البيت وما أمر بإتيانه , ويتوجه لما وجه له . ويكون تبعاً فيما افترض عليه ونُدب إليه , لا متبوعاً .] هذا كلام الشافعي - رحمه الله - في الرسالة .
ــ حكم تعلم العربية وتعليمها :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع فتاواه الجزء الثاني والثلاثين , صفحة مائتين واثنتين وخمسين , قال - رحمه الله - : [ومعلوم أن تعلم العربية وتعليم العربية فرض على الكفاية , وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن , فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي , ونصلح الألسن المائلة عنه ؛ فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة , والاقتداء بالعرب في خطابها , فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصاً وعيبا - فكيف إذا جاء قوم إلى الألسنة العربية المستقيمة , والأوزان القويمة , فأفسدوها بمثل هذه المفردات , ( وقد أشار إلى هذه المفردات سابقاً) قال : فأفسدوها بمثل هذه المفردات والأوزان المفسدة للسان ,( و قد أشار إلى هذه الأوزان سابقاً ) قال : فأفسدوها بمثل هذه المفرادت والأوزان المفسدة للسان الناقلة عن العربية العرباء إلى أنواع الهذيان , الذي لا يهذي به إلا قوم من الأعاجم الطـِّمـَاطِم الصميان ؟!! ] انتهى كلامه رحمه الله .
فاللغة ذات أهمية بالغة لطالب العلم الشرعي ؛ وذلك لأن هذه العلوم التي يطلبها مصبوبة في قالب العربية الفصحى , وتقدم أن العربية الفصحى هي لغة القرآن ولغة السنة , فلو صبت - هذه العلوم التي يطلبها الطالب - لو صبت في قالب العامية مثلاً لأخلـَّـت بهذه العلوم وأفسدتها , وهذا معلوم بأدنى تأمل ؛ وذلك لأن العربية وكذلك كل لغة لها أصولها وقوامها , وما انحرف عن تلك الأصول والقوام فلا يمكن أن يستعمل للإفهام كما يراد من العربية الفصحى , ولذا لا يمكن للطالب أن يرتقي لفهم معاني الكتاب والسنة إلا إذا ارتقى في فهم العربية وفقهها , ومعرفة الطالب للعربية قبل أن يعمد إلى تفسير الكتاب أوالسنة خير معين له على فهمهما ؛ فإذا عمد إلى ذلك دون معرفة سابقة للعربية سيعود للعربية فيما استغلق عليه من أساليب الكتاب والسنة التي يريد فهمها ؛ لأن العربية والحالة هذه علم من العلوم , ولهذا العلم درجات , فهناك علم للمختصرين أو لأصحاب الاختصار أو للمبتدئين , وهناك درجة علمية للمتوسطين , وهناك درجة عالية للمنتهين , والانتهاء بالعلوم بحر في الحقيقة ؛ فالذي يريد أن يفسر الكتاب أو السنة أقل ما يطلب منه أن يعرف مبادئ العربية , وهذه المبادئ لا تكفي في معرفة كل ما سيعرض له من أساليب الكتاب والسنة , فلابد من العناية بمعرفة العربية إلى درجة يكون الناظر في كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا ينغلق أمامه كثير من ذلك , وإلا الرتبة المتناهية أو الرتبة العليا ذات فسحة و سعة , كما هو الشأن في العلوم الشرعية , والعربية واسعة جداً حتى يقول الإمام الشافعي - رحمه الله - في الرسالة : [ إن العربية لا يمكن أن يحيط بها أو يعرفها إلى النهاية إلا نبي ] , إذا فما أدنى النهاية ؟! ينبغي لطالب العلم , أو للمنتهين , أو للبالغين درجة عليا في العلم أن يعرفها [أي اللغة العربية ] , وإلا ما سيدركون من معاني الكتاب والسنة ما يريدونه بسهولة .
ــ أثر عدم العناية بالعربية في هذه العصور وقبل هذه العصور:
يلاحظ المتأمل أن الغالب على المسلمين اليوم عدم العناية بالعربية ؛ لأسباب لا يمكن التعرض لها الآن ؛ وعندي على ذلك أمثلة كثيرة من بعض طلبة العلم , أو غير الطلبة من المسلمين , فمن الممكن أن نذكر مثالين , ولا أدري هل هذان المثلان يناسب المقام ذكرهما .... يا عبد الوهاب [اسم الطالب ] ؟
الطالب : نعم يا شيخ .
الشيخ : أنت معي ؟
الطالب : معك يا شيخ
الشيخ : اذكر مثالين ؟
الطالب : ياريت والله .
الشيخ : ها ؟
الطالب : تفضل يا شيخ .
الشيخ : فأحد المثالين ممن ينتسب إلى العلم , والآخر ممن ليس بطالب علم , إنما يذكر مثل هذين المثالين لنعرف ما يفضي إليه عدم العناية بالعربية من آثار سلبية في المسلم .
مثال وقع في المدينة النبوية , وكنت صاحب قصته , ذلك أن بعض من يعرفني بالمدينة طلب مني أن أكون أحد الشاهدين في أمر في المحكمة - في المحكمة الكبرى - فاستجبت له , وذهبنا إلى المحكمة , ودخلنا على القاضي , لا أعرفه قبل ذلك و لا يعرفني , فسألني عن الهوية حسب الجاري من النظام , فأعطيته إياها , فقلب صفحاتها يبحث عن اسمي فوقعت عينه على اسمي : ابن عوني , فاستنكر! واستغرب ! قائلاً : ما يعرف مثل هذا الكلام ! وتعجبت منه مستغرباً أيضا ! وإنما تعجبي لأني وجدته قاضياً , فهو من أهل العلم على كل حال , له دراية ؛ لأنه تعلم فبلغ هذا المنصب ولا يمكن أن يصل إلى هذا المنصب إلا وقد درس الشريعة , والشريعة وعاؤها لغة العرب , لغة القرآن , لغة النبي - صلى الله عليه وسلم – [هو بأبي وأمي ], ولم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بغير هذه اللغة , فلما استنكر, تعجبت ! لأن مثل هذا ينظر, هل مثل هذه التسمية صحيحة عربية وجائزة شرعا ؟ , ينظر إلى هذا ؛ لأن الأعلام كلها في الأصل لم تكن لأصحابها , بل نقلت وأطلقت على أصحابها ؛ إذا فلا تقول أنا استغرب هذا الاسم على فلان مثلاً ؛ فإذا استغربت مثلاً هذا الاسم ؛ إذاً فلك أن تستغرب أيضاً لو رأيت شخصاً قد سمي بمحمد ؛ لأن كيف تعرف أن هذا الشخص وضع عليه هذا العلم ؟ ما تعرفه إلا إذا أخبرك أن اسمه كذا , فهذه هي القاعدة العلمية , قاعدة الأعلام في لغة العرب , فالعَـلَـم قد يكون مضافاً , وقد يكون غير مضاف , وقد يكون جملة فعلية , أو جملة اسمية , هذا كله موجود في كلام العرب الفصحاء سابقاً , وكذلك في زمن السلف في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي القرون المفضلة , فهذا كثير جداً فكونه يستغرب هذا محل تعجبي , وإن دلّ هذا على شيء إنما يدل على قلة العناية بما في العربية , وإلا مثل هذا لا يستنكر ولا يستغرب , لاسيما إذا كنت لا تعرفني من قبل ولا أعرفك من قبل , فما وجه الاستغراب ؟! لكن هذا إنما ذكرته مثالاً لعدم العناية بالعربية.هذا مثال .
ومثال آخر هذا وقع لي أيضاً , وأنا صاحب القصة وذلك في وقت من أوقات الحج , ما أدري كم قبل كم سنة ؟ عشرة ؟ أو خمسة عشر؟ الكلام من مدة , من مدة لا بأس بها مضت , فهذا رجل أتى من بعض دول إفريقية الغربية , وكان مسئولا كبيرا في الدولة ؛ لأنه كان مديراً عاماً لأكبر بنك في عامة تلك الدولة , وكان مسلماً , فجاء في الحج واتفقا أن التقيت به في مِنَى , وما كنت أعرفه فدلني أحد الأخوة عليه , فدارالحديث بيننا بعد ذلك .
فكان مما سألني عنه أنه قال لي : هل أنت تعرف الفرنسية ؟
فقلت : لا أنا لا أعرف الفرنسية إلى هذه الدرجة , لا أعرفها .
فقال لي : يا حبذا لو عرفت الفرنسية ؛ لأن مثلك لو ذهب إلى إفريقية للدعوة فإنه سيدعو بلغة الإفرنج , ويجذب كثيراً من المثقفين الفرنسيين في تلك الدولة ؛ لأن البلاد الغربية كلها أو أغلبها مستعمرة فرنسية .
[فهو ذكر هذا من طيب قلب , صحيح إذا كنت تخاطب المثقفين باللغة التي تثقفوا بها ويعرفونها جيداً فإنه سرعان ما ينجذبون إلى دعوتك ].
فقلت له : هذا صحيح لكن ليس لي سبيل لتعلم الفرنسية الآن ؛ لأني مشغول بغيرها , لكن كلامك صحيح للدعوة , هذا صحيح . ثم قلت له بدوري [ جاءت النوبة إليَّ الآن , هكذا رأيت أن أسأله هو أيضاً ]
فقلت له : هل أنت تعرف العربية ؟
فقال : لا . فقلت له : إذاً أنا أنصحك وأطلب منك أن تعرف العربية لنفسك أولاً , أنت طلبت مني أن أعرف الفرنسية للدعوة , وأنا أطلب منك أن تعرف العربية لتتعبد الله بها , وذلك لأنك ستصلي وستذكر الله وهذه الصلاة لابد فيها من عربية , وتأتي الأذكار وما أشبه ذلك , فسوف تتعلم العربية لهذا أولاً , لإسلامك أولاً , لا لإن تدعو بالعربية , لا لإن تدعو الناس بالعربية كما أمرتني أن أتعلم الفرنسية لأدعو الناس بها , لكن لنفسك , آمرك بتعلم العربية , ثم قلت له هذه نصيحتي , والآن أنا أسألك : هل أنت تعرف الفاتحة ؟
فما أجابني , ما قال أعرف أو لا أعرف .
وهذا شيء عجيب جداً مع أنه جاء للحج , وهو مسلم لا شك , لكن محل الشاهد عدم العناية بالعربية , والأمثلة كثيرة جداً جداً لكن هذان مثالان أتيت بهما ليعرف ما في واقع المسلمين اليوم من عدم العناية بهذه اللغة الشريفة , وما لعدم العناية من أثار سلبية في المسلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صدق من قال إن قوة اللغة من قوة الأمة، وواقع الناس اليوم وكل يوم يشهد على ذلك؛ فالأمم القوية تشد من أزر لغتها وكلما قويت أمة قويت لغتها وزادت انتشاراً..والعكس صحيح كحال أمتنا الخائرة بعد همة والغائرة بعد فورة والحائرة بعد إدراك..
لغتنا كانت لغة العلم الأولى واللغة المفضلة لدى الأمم الأخرى. كان ذلك حين كانت أمتنا على رأس الأمم في كل المجالات، معتزة بدينها متمسكة بكتابها.
لكنها اليوم تكاد تكون أدنى الأمم بما جناه أبناؤها على أنفسهم كأنهم "براقش".. تركوا دينهم وأهملوا لغتهم؛ فنظروا بعين الضعف والذل إلى الأمم الأخرى التي استعبدتهم وجاست خلال الديار.
أصبحت لغتنا عند كثير من أبناء قومنا لغة الهوان والتراجع، وأصبح التحدث بلغة الآخرين مصدر فخر وتفاخر خادع.. والمشكلة الأكبر أن معرفة اللغات الأخرى لا تعتمد – عند الكثيرين- طريق (من عرف لغة قوم أمن شرهم)، ولا ترتجى منها فائدة تعود على الإسلام والمسلمين، بل العكس هو القائم: (من عرف لغة قوم غرف شرهم).. أي أن محصلة هذه المعرفة هي الانغماس في محيط الثقافات الأخرى دون التمسك بحبل الدين الإسلامي ولغته العربية؛ فكانت النتيجة الغرق في ذلك المحيط..
ومن خلال هذا التقرير سنتعرف على أهمية وواقع لغتنا العربية والمخاطر التي تهددها من الداخل والخارج..
أهميـة اللغــة:
توصف اللغة بأنها فكر ناطق، والتفكير لغة صامتة, واللغة هي معجزة الفكر الكبرى.
إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة فإنها الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم؛ فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم. إن القوالب اللغوية التي توضع فيها الأفكار، والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف لا تنفصل مطلقاً عن مضمونها الفكري والعاطفي .
إن اللغة هي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها. وقد قال فيلسوف الألمان فيخته: "اللغة تجعل من الأمة الناطقة بها كلاً متراصاً خاضعاً لقوانين. إنها الرابطة الحقيقية بين عالم الأجسام وعالم الأذهان".
وينقل الدكتـور فرحـان السـليـم عن مصطفى صادق الرافعي قوله: "إن اللغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمة. كيفما قلّبت أمر اللغة - من حيث اتصالها بتاريخ الأمة واتصال الأمة بها - وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها".
وعن الراهب الفرنسي غريغوار مدافعاً عن لغته: "إن مبدأ المساواة الذي أقرته الثورة يقضي بفتح أبواب التوظف أمام جميع المواطنين، ولكن تسليم زمام الإدارة إلى أشخاص لا يحسنون اللغة القومية يؤدي إلى محاذير كبيرة، وأما ترك هؤلاء خارج ميادين الحكم والإدارة فيخالف مبدأ المساواة، فيترتب على الثورة - والحالة هذه - أن تعالج هذه المشكلة معالجة جدية؛ وذلك بمحاربة اللهجات المحلية، ونشر اللغة الفرنسية الفصيحة بين جميع المواطنين".
وعن فوسلر: "إن اللغة القومية وطن روحي يؤوي من حُرِمَ وطنَه على الأرض".
أهمية اللغة العربية
اللغة - عند العرب - معجزة الله الكبرى في كتابه المجيد.
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت شعوب غرب آسيا وشمال أفريقيا بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة القرآن، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم، فهجروا ديناً إلى دين، وتركوا لغة إلى أخرى.
لقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها للآخرين فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة.
واللغة العربية أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك العلم المختلفة..
إن اللغة العربية أداة التعارف بين ملايين البشر المنتشرين في آفاق الأرض، وهي ثابتة في أصولها وجذورها، متجددة بفضل ميزاتها وخصائصها .
كما نقل الدكتـور فرحـان السـليـم شهادات لبعض العلماء الأجانب والعرب في أهمية اللغة العربية. يقول الفرنسي إرنست رينان: "اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة".
ويقول الألماني فريتاغ: "اللغة العربية أغنى لغات العالم".
ويقول وليم ورك: "إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر".
ويقول الدكتور عبد الوهاب عزام: "العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة".
ويقول مصطفى صادق الرافعي: "إنما القرآن جنسية لغوية تجمع أطراف النسبة إلى العربية، فلا يزال أهله مستعربين به، متميزين بهذه الجنسية حقيقةً أو حكماً".
ويقول الدكتور طه حسين: "إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضاً".
نبذة عن اللغة العربية
جاء في (الموسوعة العربية العالمية):
هي إحدى أكثر لغات العالم استعمالاً، وهي اللغة الأولى لأكثر من 300 مليون عربي، واللغة الرسمية في 18 دولة عربية، كما يُجيدها أو يُلِمُّ بها أكثر من 200 مليون مُسْلم من غير العرب إلى جانب لغاتهم أو لهجاتهم الأصلية. ويُقبِل على تعلُّمها كثيرون آخرون من أنحاء العالم لأسباب تتعلَّق بالدين أو بالتجارة أو العمل أو الثقافة أو غير ذلك.
ويشير عضو المجمع اللغوي في القاهرة شوقي حماده – في مقابلة مع قناة الجزيرة – إلى أن المراجع جميعاً ذكرت أن أول من نطق بها هو آدم عليه السلام وقيل هو إسماعيل عليه السلام ثم قيل هود ويعرب بن قحطان إلى آخره.
والثابت – حسب قوله- أن اللغة العربية نشأت مع عدنان وقحطان وهما من جدود العرب المستعربة في شبه الجزيرة العربية، هذه هي الجذور الأولى للغة العربية قبل أن ينزل بها القرآن الكريم.
والعربية هي اللغة السَّامية الوحيدة التي قُدِّر لها أن تحافظ على كيانها وأن تصبح عالمية. وما كان ليتحقَّق لها ذلك لولا نزول القرآن الكريم بها؛ إذ لا يمكن فَهْم ذلك الكتاب المبين الفَهْم الصحيح والدقيق وتذوُّق إعجازه اللغويّ إلا بقراءته بلغته العربية.
كما أن التُّراث الغني من العلوم الإسلامية مكتوب بتلك اللغة..ومن هنا كان تعلُّم العربية مَطْمَحًا لكلِّ المسلمين الذين يبلغ عددهم أكثر من مليار مُسلم في شتَّى أنحاء العالم. ويمكن القول إن أكثر من نصف سكان إفريقيا يتعاملون بالعربية.
خصائصوتاريخ اللغة العربية
أولاً الخصائص
تتميز اللغة العربية بمجموعة من الخصائص قل مثيلها في اللغات الأخرى؛ مما جعلها أرقى اللغات وأغناها، ومن بين هذه الخصائص كما تقول (الموسوعة العربية).
الأصوات:
كما يقول الدكتـور فرحـان السـليـم فإن اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات، حيث تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين إلى أقصى الحلق. وقد تجد في لغات أخرى غير العربية حروفاً أكثر عدداً، ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون مجتمعة متكاثرة في الشفتين وما والاهما من الفم أو الخيشوم في اللغات الكثيرة الغنة (الفرنسية مثلاً)، أو تجدها متزاحمة من جهة الحلق.
وتتوزع هذه المخارج في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات. ويراعي العرب في اجتماع الحروف في الكلمة الواحدة وتوزعها وترتيبها فيها حدوث الانسجام الصوتي والتآلف الموسيقي.
فمثلاً لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال. ولا تجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا الخاء قبل الهاء، ولا النون قبل الراء، ولا اللام قبل الشين.
وتتميَّز العربية بما يمكن تسميته مركز الجاذبية في نظام النُّطق، كما تتميَّز بأصوات الإطباق؛ فهي تستخدم الأعضاء الخلفية من جهاز النُّطق أكثر من غيرها من اللغات، فتوظِّف جذْر اللسان وأقصاه والحنجرة والحَلْق واللَّهاة توظيفًا أساسيًّا؛ ولذلك فهي تحتوي على مجموعة كاملةً لا وجود لها في أيِّ لغة سامية فضلاً عن لغات العالم.
المفردات:
الكلمات في اللغة العربية لا تعيش فرادى منعزلات بل مجتمعات مشتركات كما يعيش العرب في أسر وقبائل.
وللكلمة جسم وروح، ولها نسب تلتقي مع مثيلاتها في مادتها ومعناها : كتب - كاتب - مكتوب - كتابة - كتاب.. فتشترك هذه الكلمات في مقدار من حروفها وجزء من أصواتها.
ويُعَدُّ مُعجم العربية أغنى معاجم اللغات في المفردات ومرادفاتها (الثروة اللفظية)؛ إذْ تضُمُّ المعاجم العربية الكبيرة أكثر من مليون مفردة. وحَصْرُ تلك المفردات لا يكون بحَصْر مواد المعجم؛ ذلك لأن العربية لغة اشتقاق، والمادة اللغوية في المعجم العربي التقليدي هي مُجرَّد جذْر، والجِذْر الواحد تتفرَّع منه مفردات عديدة، فالجذْر (ع د) مثلاً تتفرَّع منه المفردات: عادَ، وأعادَ، وعوَّدَ، وعاودَ، واعْتادَ، وتَعوَّدَ، واستعادَ، وعَوْد، وعُود، وعَوْدة، وعِيد، ومَعَاد، وعِيادَة، وعادة، ومُعاوَدَة، وإعادة، وتَعْوِيد، واعتِياد، وتَعَوُّد، واسْتِعَادَة، وعَادِيّ. يُضاف إليها قائمة أخرى بالأسماء المشتقَّة من بعض تلك المفردات. وكلُّ مفردة تؤدِّي معنًى مختلفًاً عن غيرها.
والعربية تتطوَّر كسائر اللغات؛ فقد أُميتَتْ مفردات منها واندثرت، وأُضيفَتْ إليها مفردات مُولَّدة ومُعَرَّبة ودخيلة، وقامت مجامع اللغة العربية بجهد كبير في تعريب الكثير من مصطلحات الحضارة الحديثة، ونجحت في إضافتها إلى المعجم المستَخدَم، مثل: سيَّارة، وقطار، وطائرة، وبرقيَّة، وغير ذلك.
التلفُّظ والتهجِّي:
تتكوَّن الألفباء العربية من 28 حرفًاً، فضلاً عن ألف المدِّ. وكان ترتيب تلك الحروف قديماً أبجدياً على النحو الآتي: أبجد هوَّز حطِّي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ.
وتُكتب لغات كثيرة في العالم بالحروف العربية، مع استبعاد أحرف وإضافة أخرى، منها الفارسية، والأُردية، والبَشْتُو، ولغة الملايو، والهَوْسا، والفُلانيَّة، والكانوري.
وكانت التُّركيَّة والسَّواحيليَّة والصُّوماليَّة تُكتَب إلى عهد قريب بالحروف العربية.
وتعتمد العربية على ضَبْط الكلمة بالشَّكْل الكامل لتؤدِّي معنًى محدَّدًا, فالكلمات: عَلِمَ، وعُلِم، وعَلَّمَ، وعِلْمٌ، وعَلَمٌ، هذه الكلمات كلها مُتَّفِقة في التَّهجِّي، مختلفة في التَّلفُّظ والمعنى.
ومن سِمات العربية أن تهجِّي الكلمة فيها موافقٌ للتلفُّظ بها، وهذه ميزة تمتاز بها العربية عن بعض اللغات الأوروبية. وهي ظاهرة عامة في العربية، إلا في بعض الحالات القليلة، كنُطق ألف لا يُكتب، في نحو: هَذَا، ولكنْ. وكتابة الألف الليِّنة على هيئة ياء، نحو: مَضَى الفَتَى.
الصَّرْف:
تقوم الصِّيغ الصَّرفية في العربية على نظام الجِذْر، وهو ثلاثي غالبًا، رباعي أحيانًا.
ويُعبِّر الجِــذْر ـ وهو شيء تجريدي - عن المعنى الأساسي للكلمة، ثمَّ يُحدَّد المعنى الدقيق للكلمة ووظيفتها بإضافة الحركات أو مقاطع من أحرف مُعيَّنة في صَدْر الكلمة أو وسطها أو آخرها.
وتُقسِّم العربية الاسم إلى جامد ومُشتقّ، ثم تُقسِّم الجامد إلى أسماء الذَّوات المادية، مثل: شجرة، وأسماء المعاني، مثل: قراءة، ومصادر الأسماء المشتقَّة، مثل: قارئ، ومقروء.
ولا تعرف العربية الأسماء المركَّبة إلا في كلمات نادرة تُعَبِّر عن الأعلام، مثل: (حَضَرَمَوْت) المركَّبة تركيبًا مَزْجيًّا، و(جاد الحقّ) المركَّبة تركيبًا إسناديًّا.
إلا أن المضاف والمضاف إليه يرتبطان ارتباطًا وثيقًا، يصل أحيانًا إلى حالة شبيهة بالتركيب، وخاصة في الأَعلام، مثل: عبدالله، وصلاح الدِّين.
وتتميَّز العربية عن لغات كثيرة بوجود صيغة للمُـثـنَّى فيها. وتنفرد هي والحبشية عن سائر اللغات السَّامية باستعمال جمع التَّكسير، فإلى جانب الجمع السَّالم الذي ينتهي بنهاية تَلْحَق الاسم، كما هي الحال في اللغات الأوروبية، تصوغ هاتان اللغتان جمع التَّكسير بتغيير الاسم داخليًّا. وتُصنِّف العربية أسماءها إلى مذكَّر ومؤنَّث، وتترك المذكَّر دون تمييزه بأيِّ علامة، وتميِّز طائفة من الأسماء المؤنَّثة، إمَّا بالتَّاء، وإمَّا بالألف الممدودة، ثم تترك الطائفة الأخرى من الأسماء المؤنَّثة دون علامة.
النَّحو:
العربية من اللغات السَّامية القليلة التي احتفظت بنظام الإعراب. ويستطيع مُجيد العربية أن يقرأ نصاً غير مضبوط، وينطق العلامات الإعرابية نُطقًاً صحيحاً، كما يستطيع من خلال ذلك أن يفهم النص فهماً تامّاً...
ومن أهم خصائص العربية ميلها إلى الإيجاز المعبِّر عن المعنى، وتلجأ في سبيل التعبير عن المعاني المختلفة ومناسبتها للمقام إلى وسائل، منها: التقديم والتأخير، والفَصْل والوَصْل، والحَذْف، والتَّأكيد، والقَصْر، والمجاز.
الخَط العربي:
يحتلُّ الخطُّ العربيُّ مكانة فريدة بين خطوط اللغات الأخرى من حيث جماله الفنِّي وتنوُّع أشكاله، وهو مجالٌ خصب لإبداع الخطَّاطين، حيث بَرَعُوا في كتابة المصاحف، وتفنَّنوا في كتابة لوحات رائعة الجمال، كما زَيَّنوا بالخطوط جدران المساجد وسقوفها. وقد ظهرت أنواع كثيرة من الخطوط على مرِّ تاريخ العربية، والشَّائع منها الآن: خطوط النَّسخ والرُّقعة والثُّلُث والفارسي والدِّيواني، والكوفي والخطوط المغربية.
ثانياً التاريخ
العربية إحدى اللغات السَّامية، وهي تنتمي إلى الفرع الجنوبي من اللغات السًامية الغَرْبية، ويشمل هذا الفرع شمالي الجزيرة العربية وجنوبيها والحبشة، بحسب (الموسوعة العربية).
وقد نشأت العربية الفصيحة في شمالي الجزيرة، ويرجع أصلها إلى العربية الشمالية القديمة التي كان يتكلَّم بها العدنانيُّون. وهي مختلفة عن العربية الجنوبية القديمة التي نشأت في جنوبي الجزيرة وعُرفَتْ قديمًا باللغة الحِمْيَريَّة وكان يتكلَّم بها القحطانيون، ومازالت تستخدم في منطقتي (المهرة وسقطرة) اليمنيتين.
وتُعَدُّ النقوش القليلة التي عُثِرَ عليها الدليل الوحيد لمعرفة المسار الذي سارت فيه نشأة العربية الفصيحة.
ويمكن القول من خلال تلك النقوش إن أسلاف العربية الفصيحة هي: الثَّمودية واللحيانية والصَّفويَّة، وتشمل معاً فترة تقارِب ألف عام؛ إذْ يُؤرَّخ أقدم النقوش الثمودية بالقرن الخامس قبل الميلاد، ويُؤرَّخ أحدثها بالقرن الرابع أو الخامس الميلاديين، وترجع النقوش اللحيانية والصَّفوية إلى زمن يقع في الفترة ذاتها.
أمَّا أقدم نصٍّ وُجِدَ مكتوبًا بالعربية الفصيحة فهو نقش (النَّمارة) الذي يرجع إلى عام 328م، ولكنه كان مكتوباً بالخط النَّبطي. ويُلاحَظ في ذلك النَّص التطوُّر الواضح من الثمودية واللحيانية والصَّفَوِية إلى العربية الفصيحة.
وأمَّا أقدم نصٍّ مكتوب بالخط العربي فهو نَقْشُ (زَبَد) الذي يرجع إلى سنة 513م، ثم نَقْشَا (حَرَّان) و(أم الجِمَال) اللذان يرجعان إلى عام 568م. وقد لوحظ أن الصورة الأولى للخَـط العربي لا تبعـد كثيراً عن الخــط النَّـبطي، ولم يتحـرَّر الخط العربي من هيئته النَّبطية إلا بعد أن كَتَبَ به الحجازيُّون لمدة قرنين من الزَّمان. وظلَّت الكتابة العربية قبيل الإسلام مقصورة على المواثيق والأحلاف والصُّكوك والرسائل والمعلَّقات الشعرية، وكانت الكتابة آنذاك محصورة في الحجاز.
ويُعدُّ القرن السابق لنزول القرآن الكريم فترة تطوُّر مُهمَّة للعربية الفصيحة، وصلَتْ بها إلى درجة راقية. ويدلُّ على ذلك ما وصل إلينا على ألسنة الرُّواة من الشِّعر والنَّثر الجاهليين.
العربية في ظل القرآن الكريم
كان نزول القرآن الكريم بالعربية الفصحى أهمَّ حَدَث في مراحل تطوُّرها؛ فقد وحَّد لهجاتها المختلفة في لغة فصيحة واحدة قائمة في الأساس على لهجة قريش، وأضاف إلى معجمها ألفاظًاً كثيرة، وأعطى لألفاظٍ أخرى دلالات جديدة. كما ارتقى ببلاغة التراكيب العربية. وكان سبباً في نشأة علوم اللغة العربية كالنحو والصرف والأصوات وفقه اللغة والبلاغة، فضلاً عن العلوم الشرعية، ثمَّ إنه حقَّق للعربية سعة الانتشار والعالمية.
أثر العربية في الأمم الأخرى
لقد حَمَلَت العربية الفصيحة القرآن الكريم، واستطاعت من خلال انتشار الإسلام أن تبدأ زَحْفَها جنوباً لتحلَّ محلَّ العربية الجنوبية القديمة، ثمَّ عَبَرَت البحر الأحمر إلى شرقي أفريقيا، واتَّجهت شمالاً فقَضَتْ على الآرامية في فلسطين وسوريا والعراق، ثم زَحَفَتْ غربًا فحلَّت محلَّ القبطية في مصر.
وانتشرت في شمال أفريقيا فَخَلَفَتْ لهجات البَرْبَر، وانفتح لها الطريق إلى غرب أفريقيا والسودان، ومن شمال أفريقيا انتقلت إلى أسبانيا وجُزُر البحر المتوسط.
كما كان للعربية أثرٌ عميق في لغات الشعوب الإسلامية؛ فتأثيرها واضح في الفارسية والأردية والتُّركية والبَشْتُو ولغة الملايو واللغات واللهجات الأفريقية. ومن غير الممكن الآن معرفة لغة أيِّ بلد إسلامي وأدبه ومناحي تفكيره معرفة جيّدة دون الإحاطة الجيِّدة بالعربية.
وحين أخذ الأوروبيون ينهلون من الحضارة الإسلامية في الأندلس دَخَلَتْ ألفاظ عربية كثيرة إلى اللغات الأوروبية، ففي الإنجليزية مثلاً ألفاظ عديدة ترجع إلى أصل عربي، كالجَبْر، والكحول، وتَعْرِيفَة، ومَخْزَن، وعُود، وغير ذلك كثير.
وخَطَت العربية خطواتها الأولى نحو العالمية في الثلث الأخير من القرن الأول الهجري، وذلك حين أخذت تنتقل مع الإسلام إلى المناطق المحيطة بالجزيرة العربية..وفي تلك الأمصار، أصبحت العربية اللغة الرسمية للدولة، وأصبح استخدامها دليلاً على الرُّقي والمكانة الاجتماعية.
وظلَّت لغة البادية حتى القرن الثاني الهجري الحُجَّة عند كلِّ اختلاف. وكان من دواعي الفخر للعربي القدرة على التحدُّث بالعربية الفصحى كأحد أبناء البادية.
أما سُكان الأمصار الإسلامية، فقد بدأت صلتهم بلغاتهم الأصلية تضعف شيئًا فشيئًا، وأخذ بعضهم يتكلَّم عربية مُوَلَّدة متأثِّرة باللغات الأم.
وقد كانت منطقة الشام أُولى المناطق تعرُّبًا. ويُلاحَظ اختلاف لهجات أهل الأمصار في العربية تبعًا لاختلاف القبائل العربية الوافدة، ومن هنا كان اختلاف لهجات الكوفة والبصرة والشام والعراق ومصر بعضها عن بعض.
وقبيل نهاية العصر الأُموي، بدأت العربية تدخل مجال التأليف العلمي بعد أن كان تراثها مقصورًا على شِعْر وأمثال على ألسنة الرُّواة.
وقد شهد العصر العباسي الأول مرحلة ازدهار الحضارة الإسلامية في مشرق العالم الإسلامي وفي مغربه وفي الأندلس، وبدأت تلك المرحلة بالترجمة، وخاصة من اليونانية والفارسية، ثم الاستيعاب وتطويع اللغة، ثم دخلت طَوْر التأليف والابتكار. ولم يَعُد معجم لغة البادية قادرًا وحده على التعبير عن معاني تلك الحضارة، فحمل العلماء على عاتقهم مهمَّة تعريب مصطلحات غير عربية، وتوليد صيغ لمصطلحات أخرى، وتحميل صيغ عربية دلالات جديدة لتؤدِّي معاني أرادوا التعبير عنها. وبهذا استطاعت العربية التعبير عن أدقِّ المعاني في علوم تلك الحضارة الشامخة وآدابها.
وفي مطلع ذلك العصر، بدأ التأليف في تعليم العربية، فدخلت العربية مرحلة تعلُّمها بطريق الكتاب، وكان هذا هو الأساس الذي قام عليه صَرْح العلوم اللغوية كالنحو والصرف &
1Comments
ممكن دلوني على اكتساب نقاط اكثر