توحيد الأسماء والصفات
الإيمان بأسمائه وصفاته (توحيد الأسماء والصفات):
الإيمان بالله هو الإيمان بوجوده - وبوحدانيته في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم والآن سوف أذكر توحيد الأسماء والصفات وذلك على النحو الآتي:
أولًا: تعريف توحيد الأسماء والصفات.
ثانيا: أركان توحيد الأسماء والصفات.
ثالثًا: مجمل اعتقاد أهل السنة في الأسماء والصفات.
رابعًا: بيان صحة مذهب أهل السنة في الأسماء والصفات.
خامسًا: الفرق الضالة في الأسماء والصفات.
سادسًا: ثمرات الإيمان بأسماء الله وصفاته.
أولًا: تعريف توحيد الأسماء والصفات:
التوحيد مصدر للفعل وحده، أو هو جعل الشيء واحدًا.
والاسم: علم على الذات أو الصفة، والمقصود به في توحيد الأسماء هو: أسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به، مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير، فإن هذه الأسماء دلت على ذات الله وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر[1].
أما الصفة فهي ما تقوم بالذات؛ والمقصود بها في توحيد الأسماء والصفات أنها (أي الصفات): نعوت الكمال القائمة بالذات كالعلم والحكمة والسمع والبصر[2].
إذن: فتوحيد الأسماء والصفات هو: إفراد الله - سبحانه - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى؛ لا شريك له في ذلك، ولا مثيل[3].
أو هو: إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بالله تعالى[4].
إذن فتوحيد الأسماء والصفات هو: إفراد الله - سبحانه - بما يختص به من الأسماء والصفات؛ ودليل ذلك: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، وقوله: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، وقوله: ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60].
ووجه الاستدلال:
أن تقديم ما حقه التأخير يفيد في لغة العرب القصر والحصر والاختصاص؛ وفي الشواهد المذكورة قدم الخبر وأخر المبتدأ لتحقيق هذا الغرض البلاغي العظيم.
فالأسماء الحسنى - أي البالغة الحسن كماله وغايته - والمثل الأعلى، والوصف الأكمل لله وحده لا شريك له في ذلك ولا مثيل[5].
ثانيًا: أركان توحيد الأسماء والصفات:
يقوم توحيد الأسماء والصفات عند أهل السنة على ركنين:
1- الإثبات: وهو إثبات ما أثبته الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إثباتًا من غير تكييف ولا تمثيل.
2- النفي المتضمن إثبات كمال ضده: وهو نفي ما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم مع إثبات كمال ضده؛ تنزيهًا لله تعالى بلا تحريف أو تعطيل كما قال تعالى: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾: نفي يتضمن إثبات عموم كمال الله - سبحانه -، ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ إثبات صفة السمع والبصر على ما يليق بجلاله - سبحانه -.
ففي الآية نفي المثل وإثبات الوصف[6].
قال شيخ الإسلام: إن الله - سبحانه - موصوف بالإثبات والنفي؛ فالإثبات كإخباره أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير ونحو ذلك، والنفي كقوله: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255] [7].
ومن القواعد المعلومة عقلًا، والمقررة سلفًا، والمؤيدة بنصوص الكتاب والسنة أن: كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده، ولتوضيح ذلك بمثال: قوله تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، يدل أولًا بدلالة المطابقة على نفي الظلم؛ ويدل ثانيًا بدلالة التضمن على إثبات كمال العدل. وقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، يدل على أمرين: الأول: نفي السنة والنوم، والثاني: إثبات كمال الحياة والقيومية؛ وهكذا كل نفي يأتي في الكتاب والسنة فإنما هو لإثبات كمال ضده[8].
ثالثًا: مجمل اعتقاد أهل السنة في الأسماء والصفات:
يعتقد أهل السنة أن من الإيمان بالله - سبحانه - الذي أمر الله به ورسوله: الإيمان بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف[9]، ولا تعطيل[10]، ومن غير تكييف[11]، ولا تمثيل[12]، ولهذا فهم يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ولا يكيفون، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه - سبحانه - لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه[13].
وخلاصة القول في مجمل اعتقاد أهل السنة في الأسماء والصفات أنه ينبني على القواعد الآتية[14]:
1- أنهم يثبتون أسماء الله وصفاته؛ كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها؛ وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، ولا يؤولونها عن ظاهرها، ولا يحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها.
2- ينفون عنها مشابهة صفات المخلوقين، كما قال تعالى: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
3- لا يتجاوزون ما ورد في الكتاب والسنة في إثبات أسماء الله وصفاته، فما أثبته الله ورسوله من ذلك أثبتوه، وما نفاه الله ورسوله نفوه، وما سكت عنه الله ورسوله سكتوا عنه.
4- يعتقدون أن نصوص الأسماء والصفات من المحكم الذي يفهم معناه ويفسر، وليست من المتشابه؛ فلا يفوضون معناها، كما ينسب ذلك إليهم من لم يعرف منهجهم..
5- يفوضون كيفية الصفات إلى الله تعالى ولا يبحثون عنها.
رابعًا: بيان صحة مذهب أهل السنة في الأسماء والصفات:
قد يقول قائل: ما هو الدليل على صحة مذهب أهل السنة في الأسماء والصفات؟
فالجواب: الأدلة على ذلك كثيرة جدًا، وهي مبسوطة في كتب العقائد، وليس هذا مجال تفصيلها[15]، لكن أقول باختصار: إن الأدلة على ذلك من وجهين:
أ- أدلة سمعية.
ب- أدلة عقلية.
أما الأدلة السمعية[16] فمن أدلتها:
1- قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].
2- وقوله تعالى: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
3- وقوله: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء:36].
فالآية الأولى: دلت على وجوب الإثبات للأسماء والصفات على ما يليق بالله - سبحانه - ويختص بعظمته.
والآية الثانية: دلت على وجوب نفي التمثيل تنزيهًا بلا تعطيل.. والإثبات بلا تشبيه..
والآية الثالثة: دلت على وجوب التوقف فيما لم يرد إثباته ولا نفيه..
وكتاب الله - سبحانه - مليء بالشواهد، وقد استشهد شيخ الإسلام ابن تيمية بآيات كثيرة على صحة معتقد أهل السنة في الواسطية، وبدأ ذلك بقوله: "وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتاب الله وهي آية الكرسي.. ".
ثم مضى يسرد الآيات في أسماء الله وصفاته..[17].
أما الأدلة العقلية[18] فهي كثيرة ومنها:
1- أن أسماء الله وصفاته من أمور الغيب، والقول فيما يجب منها لله أو يجوز أو يمتنع لا يدرك إلا بالسمع؛ فوجب اتباع السمع في ذلك بإثبات ما أثبته ونفي ما نفاه والسكوت عما سكت عنه؛ ذلك أن الشيء لا يعلم إلا بمشاهدة نظيره أو بالخبر الصادق عنه.
2- أن نفي الصفات يستلزم نفي الذات؛ لأنه لا يتصور لدى كافة العقلاء وجود ذات مجردة عن الأسماء والصفات؛ ولذا برئ مذهب أهل السنة من التعطيل.
3- أنه يستحيل أن يكون الخالق كالمخلوق، والاتفاق في الاسم العام لا يقتضي التماثل عند الإضافة والتخصيص؛ فإنه قد علم بضرورة العقول أن الوجود فيه ما هو موجود قديم واجب بنفسه، وفيه ما هو محدث موجود ممكن بنفسه؛ فهذان الموجدان اتفقا في مسمى الوجود؛ فمن لم يثبت ما بين الموجودين من الاتفاق وما بينهما من الافتراق؛ لزمه أن تكون الموجودات كلها قديمة واجبة بأنفسها، أو محدثة ممكنة مفتقرة إلى غيرها.
وكلاهما معلوم الفساد بالاضطرار؛ فتعين إثبات الاتفاق من وجه والامتياز من وجه، ونحن نعلم أن ما امتاز به الخالق الموجود عن سائر الموجودات أعظم مما تمتاز به سائر الموجودات بعضها عن بعض؛ فإذا كان مثلًا (الملك) و(البعوضة) قد اشتركا في مسمى الوجود والحي مع تفاوت ما بينهما، فالخالق - سبحانه - أولى بمباينته للمخلوقات وإن حصلت الموافقة في بعض الأسماء والصفات؛ ولذا نزه أهل السنة مذهبهم من لوثة التكييف والتمثيل.
4- معرفة كيفية الصفة متوقفة على معرفة كيفية الذات؛ إذ الصفات تختلف باختلاف موصوفاتها.. وخذ مثلين لذلك وهما: (الروح) و(نعيم الجنة) فمع ما ورد من أوصافهما فإن المرء عاجز عن إدراك كيفيتهما، وهما خلق من خلق الله[19].
5- أن أهل السنة يبنون مسألة الصفات على أمرين هامين:
الأول: الإيمان بكل ما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة على ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
الثاني: نفي التشبيه والتمثيل عن كل وصف ثبت في كتابه أو سنة رسوله، فمن نفى وصفًا أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معطل. ومعلوم أنه لا يصف الله أعلم بالله من الله، ولا يصف الله بعد الله أعلم به من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140].
ومن شبه ووصف ربه بصفات المخلوقين فهو مشبه ملحد؛ وكل تعطيل ناشئ عن التشبيه, ومن آمن بصفات ربه منزهًا له عن التشبيه والتمثيل بصفات الحوادث فهو مؤمن موحد سالم من ورطة التشبيه والتعطيل، جامع بين الإيمان والتنزيه، والدليل على ما ذكر قوله تعالى: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]. فقوله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ نفي التمثيل، ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ فيه إثبات الصفات على الحقيقة اللائقة بجلاله وعظمته..
وإذا كان نافي الصفات يضطر إلى الاعتراف بأن الله - جل وعلا - ذات مخالفة لجميع الذوات؛ فعليه أن يعترف بأنه متصف بصفات لا يماثلها شيء من صفات المخلوقين، فصفاته تخالف صفاتهم كمخالفة ذاته - سبحانه - ذواتهم.
فإن قيل: يلزم من إثبات صفة الوجه واليد والاستواء ونحو ذلك مشابهة الخلق؟!
فالجواب: أن وصفه بذلك لا يلزم منه مشابهة الخلق؛ كما لم يلزم من وصفه بالسمع والبصر مشابهة الحوادث التي تسمع وتبصر؛ بل هو متصف بتلك الصفات التي هي صفات كمال وجلال، كما قال سبحانه: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، من غير مشابهة للخلق ألبتة، فهي ثابتة له حقيقة على الوجه اللائق بكماله وجلاله؛ كما أن صفات المخلوقين ثابتة لهم حقيقة على الوجه المناسب لهم؛ فبين الصفة والصفة من تنافي الحقيقة ما بين الذات والذات..
فإن قيل: بينوا لنا كيفية الاتصاف بها لنعقلها؟
قلنا: أعرفتم كيفية الذات المتصفة بها؛ فلا بد أن يقولوا: لا. فنقول: معرفة كيفية الصفات متوقفة على معرفة كيفية الذات.
فإن قيل: هو ذات لا كالذوات، قلنا: وموصوف بصفات لا كغيرها من الصفات، فسبحان من أحاط بكل شيء علمًا ولم يحط به شيء: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255] [20].
خامسًا: الفرق الضالة في الأسماء والصفات:
الفرق الإسلامية في مجال الأسماء والصفات أشهرها ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: الجهمية، وهم أتباع الجهم بن صفوان، وهؤلاء ينكرون الأسماء والصفات جميعًا.
الفرقة الثانية: المعتزلة، وهم أتباع واصل بن عطاء، الذي اعتزل مجلس الحسن البصري؛ وهؤلاء يثبتون الأسماء والصفات على أنها ألفاظ مجردة عن المعاني، وينفون الصفات كلها.
الفرقة الثالثة: الأشاعرة[21] والماتريدية[22]، ومن تبعهم وهؤلاء يثبتون الأسماء وبعض الصفات وينفون بعضها؛ أي: أنهم أثبتوا من الصفات سبعًا ونفوا ما عداها؛ والصفات السبع هي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام.
والشبهة التي بنوا عليها جميعًا مذاهبهم: هي الفرار من تشبيه الله بخلقه بزعمهم؛ لأن المخلوقين يسمون ببعض تلك الأسماء، ويوصفون بتلك الصفات، فيلزم من الاشتراك في الاسم والصفة ومعناهما: الاشتراك في حقيقتهما، وهذا يلزم منه تشبيه المخلوق بالخالق في نظرهم، والتزموا حيال ذلك أحد أمرين:
الأول: إما تأويل نصوص الأسماء والصفات على ظاهرها، كتأويل الوجه بالذات، واليد بالنعمة.
الثاني: وإما تفويض معاني هذه النصوص إلى الله، فيقولون: الله أعلم بمراده منها؛ مع اعتقادهم أنها ليست على ظاهرها.
والرد على هؤلاء جميعًا من وجوه:
الوجه الأول: أن الله - أثبت لنفسه الأسماء والصفات، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم فنفيها عن الله أو نفي بعضها، نفي لما أثبته ورسوله، وهذا محادّة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: أنه لا يلزم من وجود هذه الصفات في المخلوقين، أو من تَسَمِّيْ بعض المخلوقين بشيء من تلك الأسماء المشابهة بين الله وخلقه، فإن لله - سبحانه - أسماء وصفات تخصه، وللمخلوقين أسماء وصفات تخصهم؛ فكما أن لله - سبحانه - ذاتًا لا تشبه ذوات المخلوقين، فله أسماء وصفات لا تشبه أسماء المخلوقين وصفاتهم، والاشتراك في الاسم والمعنى العام لا يوجب الاشتراك في الحقيقة.. فقد سمى الله نفسه سميعًا بصيرًا فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58]، وسمى بعض عباده سميعًا بصيرًا فقال: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2]، وليس السميع كالسميع ولا البصير كالبصير، وعلى مثله فقس..
الوجه الثالث: أن الذي ليس له صفات كمال، لا يصلح أن يكون إلهًا، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام لأبيه: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾.
الوجه الرابع: أن إثبات الصفات كمال، ونفيها نقص، فالذي ليس له صفات إما معدوم وإما ناقص، والله منزه عن ذلك.
الوجه الخامس: نقول للجهمي: إذا قال لنا: كيف استوى؟ أو كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ أو كيف يداه؟ أو كيف وجهه؟ ونحو ذلك، نقول له: كيف هو في ذاته؟ فإذا قال لك: لا يعلم ما هو إلا هو، وكنه الباري تعالى غير معلوم للبشر، فقل له: والعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف؛ فكيف يمكن أن تعلم كيفية صفة الموصوف ولم تعلم كيفيته.
بل هذه المخلوقات في الجنة قد ثبت عن ابن عباس أنه قال: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، ولقد أخبر الله تعالى: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه "في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"[23]. فإذا كان نعيم الجنة وهو خلق من خلق الله كذلك لا يمكن العلم بكنهه فما ظنك بالخالق - سبحانه -؟!
وهذه الروح التي في بني آدم؛ قد يعلم العاقل اضطراب الناس فيها وإمساك النصوص عن بيان كيفيتها؛ أفلا يعتبر العاقل بها عن الكلام بها في كيفية الله[24].
سادسًا: ثمرات الإيمان بأسماء الله وصفاته:
من ثمرات الإيمان بأسماء الله وصفاته ما يلي:
1- التعرف على الله تعالى، فمن آمن بأسماء الله وصفاته ازداد معرفة بالله تعالى فيزداد إيمانه بالله يقينًا، ويقوي توحيده لله تعالى.
2- الثناء على الله بأسمائه الحسنى، وهذا من أفضل أنواع الذكر، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41].
3- سؤال الله ودعاؤه بأسمائه وصفاته كما قال - سبحانه -: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، ومثال ذلك أن يقول: اللهم إني أسألك بأنك الرزاق فارزقني..
4- السعادة والحياة الطيبة في الدنيا، ونعيم الجنة في الآخرة
0Comments